مسلسلات درامية تستلهم ملفات الطب الشرعي

اتجه عدد من صناع المسلسلات الدرامية فى مصر لتقديم أعمال فنية ليست فحسب مستوحاة من جرائم حقيقية حدثت، لكنها تخطت الأمر لنقل هذه الجرائم بحذافيرها وتفاصيلها عبر الشاشة الصغيرة من خلال ملفات الطب الشرعى التى بالطبع سردت بدقة بالغة تفاصيل هذه الجرائم المروعة، والتى تحول بعضها إلى قضايا رأى عام أثارت جدلًا كبيرًا، وانتشرت أجواؤها بين الناس آنذاك.

ويأتى فى مقدمة هذه الأعمال الدرامية التى يتم تجهيزها فى الوقت الراهن، مسلسل «عنبر الموت» بطولة منة شلبى وسيناريو وحوار مريم نعوم وإخراج كريم الشناوى، وهو المسلسل الذى تدور أحداثه حول ممرضة تتحول من «ملاك للرحمة» إلى «ملاك للموت» عندما تقرر أن تقتل المرضى لديها بعقار قاتل، وفى الحقيقة فإن هذا المسلسل مأخوذ بحذافيره عن تلك القضية الشهيرة التى جرت أحداثها فى أواخر التسعينيات من القرن الماضى، وتجاوز عدد ضحاياها 20 قتيلًا، وفى روايات أخرى 30 مريضًا، وقد هزت هذه القضية الرأى العام المصرى وقتها.

وهذه الجريمة جرت بنفس تفاصيلها فى إيطاليا عندما أقدمت ممرضة عام 2014 على قتل مرضاها، والذين وصل عددهم لـ38 مريضًا.

ومسلسل «عنبر الموت» مكون من 12 حلقة، ومن المقرر أن يبدأ تصويره فى الفترة المقبلة ليتم عرضه لاحقًا على إحدى المنصات الإلكترونية.

وكذلك نشر الفنان محمد فراج عددًا من الصور لنفسه بالشخصية الجديدة التى يجسدها ضمن أحداث حكاية «لعبة جهنم» فى مسلسل «القصة الكاملة» المأخوذ عن برنامج يحمل نفس الاسم يقدمه المخرج والمونتير سامح سند عبر قناته الرسمية على «يوتيوب»، وهو البرنامج الذى يروى فيه سند قصص أفظع الجرائم التى جرت أحداثها فى مصر وعدد من الدول العربية، وأغلب هذه الجرائم تمت معرفة تفاصيلها من ملفات الطب الشرعى ومن التغطيات الصحفية وقتها.

وقد رجح عدد كبير من المتابعين أن تكون قصة مسلسل "لعبة جهنم" هى نفسها أول قضية للدارك ويب فى مصر، والتى جرت أحداثها فى شبرا عندما أقدم شخص على قتل صديقه وتقطيعه إربًا بالاتفاق مع شريك له خارج مصر مقابل بيع فيديو الجريمة للدارك ويب، وتقاضى آلاف الدولارات، لكن صناع المسلسل اكتفوا بالصمت التام كى لا يتم الكشف عن تفاصيل الحكاية، والتى سيتم عرضها قريبًا عبر إحدى المنصات الإلكترونية.

كما بدأت الفنانة سهر الصايغ تصوير حكاية «جثة المنصورية» ضمن مسلسل «لعدم كفاية الأدلة» المأخوذ عن قضية القتل الشهيرة قبل 3 سنوات، والتى فيها تم العثور على جثة سيدة مكبلة وملقاة فى ترعة المنصورية، والتى كانت من أهم ملفات الطب الشرعى المصرى نظرًا لسوء حالة القتيلة وقتها.

ومن جانبها، دافعت الناقدة الفنية ماجدة خير الله عن هذه النوعية الفنية التى لا تستهلم الجرائم الحقيقية فحسب لكنها تتخطاها للنقل المباشر لأدق التفاصيل، قائلة: «الأخذ من الواقع هو فى الحقيقة أحد الروافد المهمة للفن، فالمؤلف الصادق هو من يستلهم حكايات الناس وواقعهم، فالفن مرآة المجتمع، ولا يصح أن ينشق عنه، ولذلك هذه النوعية من الأعمال الفنية التى تنقل تفاصيل الجرائم الحقيقية عبر الشاشة مهمة، لأنها تنطوى على شق مهم جدًا، وهى تعرفنا الى اين يتجه المجتمع بمزاياه وعيوبه، فلا يصح أبدًا لصناع الفن أن يتجاهلوا ما يحدث على ارض الواقع خصوصًا مع ما نراه من نوعيات جرائم غريبة كان يستحيل نسمع عنها فى السابق»، ووصفت خير الله الأمر أنه «ليس إفلاسًا» «أرى أننا تأخرنا كثيرًا فى طرح هذه النوعية من القضايا على الرغم من دمويتها، لكن يظل باقى الحكاية فى رقبة المؤلف والمخرج، لأن الفن فى النهاية هو لغة الإيحاء، فممكن أنقل جريمة لكن اصورها بحساسية بالغة دون جرح لمشاعر المشاهد، مثلما شاهدت من حرفية عالية من المخرج ماندو العدل فى نقل تفاصيل جريمة مقتل المذيعة شيماء جمال فى مسلسل «ورد وشوكولاتة»، الذى خرج مشهد القتل فيه فى منتهى الحساسية».

وأضافت ماجدة خير الله: «فى الدول الغربية خصوصًا أمريكا فإنهم يصنعون أعمالًا فنية عديدة حول جرائم حقيقية حدثت فى مجتمعهم، ولدينا أمثلة شهيرة على هذه الأعمال، لكن هنا فى مصر كانت لدينا محاذير على هذه النوعيات من الدراما بسبب تشدد الرقابة فيها ورؤيتهم أن عرض الجرائم فنيًا قد يسهم فى زيادتها، ولكن الآن أصبح هناك تغيير واضح وملموس فى رؤية الرقابة».

أما الناقدة وأستاذ الأدب المقارن والدراما د. عزة هيكل فقد وصفت هذه النوعية من الأعمال الفنية التى تنقل الجرائم الحقيقية بحذافيرها بـ«الاستسهال الفكرى والإبداعى»، قائلة: «هذه الأعمال تطرح تساؤلًا مهمًا وهو هل الفن مجرد تصوير ونقل فقط للواقع؟ وأجيب عنه بالقول لا طبعًا، لأن الفن ليس مفترضًا به أن ينقل الواقع بشكل مباشر وتام بكل حذافيره وتفاصيله، بل هو منوط به أن يستلهم الحكايات والقضايا ويعيد صياغتها بشكل فنى، وللأسف ما يحدث هو مجرد استسهال ورغبة فى البحث عن الترند، ولو فتحنا الباب لهذه النوعيات، عندئذ سنجد المؤلفين يقفون على أبواب محكمة الأسرة ومحكمة الطفل وليس ملفات الطب الشرعى فقط، كى ينقلوا القضايا بكل تفاصيلها دون إبداع فنى حقيقى».

وقبل عام تقريبًا عُرض مسلسل «ساعته وتاريخه» عبر شاشات التليفزيون، وناقش بعض الجرائم الحقيقية التى حدثت بالفعل، ومنها قصة جريمة الدارك ويب والتى قام ببطولتها سليمان عيد، وكذلك قصة جريمة نيرة أشرف التى قتلها شاب ذبحًا امام أبواب الجامعة، وتم تنفيذ حكم الإعدام فيه.

وبدأ الموضوع مبكرًا قبل سنوات، من خلال مسلسل «أوبرا عايدة»، والذى عرض قصة الممرضة القاتلة، لكن الخط الدرامى وقتها لهذه الجريمة كان فرعيًا وسط أحداث المسلسل.