الجنيه الرقمي.. كيف يدعم الاقتصاد المصري؟

مع اعتزام الدولة إطلاق عملة رقمية بحلول عام 2030، يرى عدد من الخبراء أن هذه الخطوة ستساهم في إتمام الشمول المالي، وضم الاقتصاد غير الرسمي للاقتصاد الرسمي، مشيرين إلى أن الدولة في حاجة شديدة لطرح الجنيه الرقمي، ولكنه سيحتاج إلى مزيد من الوقت لإتمام البنية التحتية اللازمة.


وكشفت وثيقة صادرة عن مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء، يوم الجمعة الماضى، بعنوان «أبرز التوجهات الاستراتيجية للاقتصاد المصرى للفترة الرئاسية الجديدة (2024ــ2030)»، عن اعتزام الحكومة المصرية إطـلاق عملـة رقميـة صـادرة عـن البنـك المركـزي المصـري ممثلـة فـي الجنيـه الرقمـي بحلـول عام 2030.

وبحسب الوثيقة فإن طرح العملة الرقمية يأتي لدعـم تنافسـية العملـة الوطنيـة وزيـادة كفـاءة السياسـة النقديـة، وسعيا لتطوير القطاع المالي واستغلال الفرص التي يتيحها التحول الرقمي لرفع نسبة الشمول المالي إلى 100% بحلول 2030 ممثلة في الخدمات المالية ونظم الدفع الرقمي.


ما المقصود بالجنيه الرقمي ؟

والجنيه الرقمي هو نسخة رقمية من النقود الورقية والمعدنية، لها نفس القيمة ونفس التسلسل، ويصدر من قبل البنك المركزي، بهدف التوسع في التعاملات غير النقدية بين الأفراد والشركات والهيئات المختلفة لتعزيز الشمول المالي، بحسب الخبراء الذين تحدثوا لـ«الشروق»، مشيرين إلى أنه يختلف عن عملة البتكوين أو ما شابهها، باعتبار الأخيرة مجرد أصول مشفرة وليس عملات رقمية.


العملة الرقمية ستعالج لب المشكلات في الاقتصاد المصري


ويرى محمد أنيس الخبير الاقتصادي، أن إطلاق عملة رقمية بات ضروري للاقتصاد المصري ولا غنى عنه، لافتا إلى أن التحول إلى الرقمنة سيعالج لب المشكلات داخل الاقتصاد القومي.

وقال إنه يجب أن نفرق بين ثلاث طرق للتعاملات النقدية وهي الطريقة التقليدية والميكنة والرقمنة، موضحا أن الطريقة التقليدية هي التي تستدعى الذهاب إلى أحد البنوك في مواعيد العمل الرسمية لسحب مبلغ نقدي أي أنك تحصل على الأموال نقديا وتنفقها نقديا أيضا.


بينما الميكنة هو أن تذهب لإحدى ماكينات الـATM في أي وقت على مدار اليوم لسحب احتياجك النقدي أيضا، ما يعني (الحصول على الأموال إلكترونيا وإنفاقها نقديا)، بحسب شرح أنيس.

وتابع : «الرقمنة هي أن تحصل على الأموال إلكترونيا وتنفقها إلكترونيا أيضا»، مضيفا أن تلك الآلية تستدعي أن تكون جميع مدفوعات البضائع والخدمات إلكترونيا، ولا يتخللها التعاملات النقدية.


وأضاف لـ«الشروق» أن هذه الآلية متواجدة حاليا في مصر، من خلال القيام ببعض المدفوعات إلكترونيا من خلال التحويلات التي تتم عن طريق التطبيقات الهاتفية، ولكنها مازالت مجرد خيار مطروح وسط التعاملات النقدية، مشيرا إلى أنها تحتاج إلى عملة رقمية حتى تكون وضع سائد في المجتمع.


ولفت إلى أن العملة الرقمية ستسطيع ضم الاقتصاد غير الرسمي على الاقتصاد الرسمي، وهي المشكلة الأكبر التي يعاني منها الاقتصاد المصري حاليا من وجهة نظره، مشيرا إلى أن حجم الاقتصاد غير الرسمي يمثل ما لا يقل عن 40% من حجم الاقتصاد.

وأوضح أن التعاملات الرقمية ستسحب الاقتصاد غير الرسمي بسلاسة للاقتصاد القومي من خلال وضع جميع فئات المجتمع تحت إطار تنظيمي ومصرفي لمعرفة إيرادات ومصروفات أي جهة.


وأضاف أن ضم الاقتصاد غير الرسمي يعني ارتفاع إيرادات الدولة الضريبية، وارتفاع الناتج المحلي الإجمالي، وهو ما سينعكس على نسب الديون الداخلية والخارجية بالإيجاب، واصفا تلك المرحلة بـ«زيادة التورتة الاقتصادية للدولة»، على حد تعبيره.


وأشار إلى أن القضاء على البيروقراطية من أهم مميزات العملة الرقمية، موضحا أن المدفوعات ستتم إليكترونيا دون الحاجة إلى موظف للتحصيل أو دمغات أو ماشابه، مؤكدا أن اختفاء البيروقراطية سيجذب العديد من الاستثمارات الأجنبية المباشرة.


الجنيه الرقمي سيلغي التعاملات النقدية


"نحتاج إلى العملة الرقمية لتعظيم الشمول المالي ولنتواكب مع التطورات العالمية بشكل سريع"، هذا ما قالته سهر الدماطي، نائب رئيس بنك مصر الأسبق.

وتابعت الدماطي: «نحن الآن نجري مدفوعاتنا من خلال تطبيقات هاتفية ومحافظ رقمية ونحتاج إلى تعزيز رقمنة تلك التعاملات من خلال إصدار الجنيه الرقمي».

وقالت لـ«الشروق» إن المدفوعات التي تتم من خلال الهواتف الذكية والتطبيقات وغيرها مازالت تحتاج إلى تعاملات نقدية، أي أنك من المفترض أن تذهب للبنك لكي تضع مبالغ نقدية «كاش» في الحساب، ثم يقتصر دور التطبيقات البنكية والمحافظ في عملية التحويلات فقط من حساب لآخر، وفي النهاية تحتاج الذهاب إلى البنك أو الـ«ATM» لكي تتحصل على "الكاش" مرة أخرى.

وأشارت إلى أن الجنيه الرقمي سيلغي تلك التعاملات النقدية وهو ماسيتيح إجراء أي مدفوعات أو سحوبات بشكل فوري دون الحاجة في النهاية إلى إيداع مبالغ كاش أو سحبها، فهي ستكون مجرد عملة رقمية على هاتفك.

وبالنسبة لمدى قدرة الدولة على إصدار العملة الرقمية خلال الفترة المحددة في الوثيقة بحلول عام 2030، قالت الدماطي إن المسألة تتعلق بالمسائل التكنولوجية أكثر من الاقتصادية، لافتة إلى أن الدولة تستطيع تحقيق مستهدفها فيما يخص الشمول المالي، ولكنها ستحتاج إلى مزيد من الوقت اكتمال البنية التحتية اللازمة للتنفيذ.


كل 10% زيادة في التعاملات غير النقدية تضيف 1.5 مليار دولار سنويا لخزينة الدولة


ويقول أحمد شوقي، الخبير المصرفي، عضو الجمعية المصرية للاقتصاد السياسي والإحصاء والتشريع، إن العملة الرقمية هي الخطوة المكملة لخطة الدولة في التحول الرقمي، مشيرا إلى أن الدولة تمتلك حاليا الأدوات والبنية التحتية التي تساعدها على ذلك، ولكن ينقصها وسيلة الدفع (العملة الرقمية).

وأضاف في تصريحاته لـ«الشروق» أن إصدار العملة الرقمية سيساهم في وصول نسبة الشمول المالي إلى 100% خلال عام 2030، لافتا إلى أن نسبة الشمول المالي كانت تبلغ 33% في عام 2017، إلى أن وصلت لـ68% في عام 2023.


ويعني بالشمول المالي، هو الوصول إلى الشرائح المجتمعية التى لا يوجد لها تعاملات بنكية، خاصة الشرائح منخفضة الدخل، عن طريق تقديم خدمات بنكية تتناسب مع احتياجاتهم، وانضمامهم إلى الاقتصاد الرسمي للبلاد.


وأشار شوقي إلى أن إصدار العملة الرقمية سيعكس رسالة للمستثمرين الأجانب والعرب بأن الدولة جادة وسريعة في تنفيذ خطتها نحو التحول الرقمي، وهو ماسيجذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية المباشرة.


وبحسب شوقي فإن كل 10% زيادة في التعاملات غير النقدية، ستدخل حصيلة الدولة 1.5 مليار دولار سنويا، وتوفر أكثر من 200 ألف فرصة عمل، لافتا إلى أن الدولة عليها أن تسرع من وتيرة طرح العملة الرقمية خاصة وإنها تملك الأدوات لتحقيق ذلك، من وجهة نظره.