"رئيس الوزراء: تفعيل غرف العمليات بجميع المحافظات لمواجهة أي طوارئ خلال فترة العيد "
فيلم الإسكندراني.. صراع الهوية لدى أسامة أنور عكاشة يتوارى في ظل شخصيات خالد يوسف

بدأت السينمات المصرية في عرض فيلم "الإسكندراني" يوم 4 يناير الجاري، قصة وسيناريو الكاتب الراحل أسامة أنور عكاشة، وإخراج خالد يوسف، وبطولة أحمد العوضي، في أول بطولة سينمائية له، وزينة وبيومي فؤاد ومحمود حافظ وعصام السقا ومحمد رضوان وتسنيم هاني، بمشاركة حسين فهمي وصلاح عبدالله.
وتدور أحداث الفيلم في المدينة المفضلة لدى "عكاشة" وهي مدينة الإسكندرية، وأهدى خالد يوسف الفيلم إلى روح محب وعاشق آخر للمدينة وهو المخرج الراحل يوسف شاهين، حول شخصية بكر (أحمد العوضي) وصراعه مع والده الحج علي (بيومي فؤاد) وابن عمه يونس (محمود حافظ)، والسبب هو التنافس بين بكر ويونس الذي يتحول إلى أحقاد وثأر بعد أن يسرق يونس حبيبة بكر، وهي قمر (زينة) ويتزوجها وينجب منها طفلا ويمنحه اسم علي لكي يتودد من عمه أكثر أثناء غياب بكر.
من المعروف أن عكاشة كان مهموما بفكرة صراع الهوية واختفاء هوية المكان، وهذه الفكرة لاحظناها جميعا كمشاهدين لأعماله المختلفة، سواء بشكل واضح في مسلسلات مثل "الراية البيضا"، والتي مثلت الصراع بين القبح والجمال، بين الثراء الفاحش المبني على الجهل والثقافة والتحضر، مستخدما رمز فيلا مفيد أبوالغار، التي تريد شخصية فضة المعداوي إزالتها، أو في مسلسلات أخرى مثل "زيزنيا، وعفاريت السيالة"، والرابط بينهم جميعا مدينة الإسكندرية.
الصراع في أساسه هو أحد أهم ركائز البناء الدرامي؛ لأنه الدافع الأول لحركة الشخصيات وقراراتها، وفي فيلم "الإسكندراني" يوجد مستويين من الصراع، الأول (الهوية) وهو الذي أراده أسامة أنور عكاشة، وهو لب السيناريو كما في جميع أعماله، ولكنه توارى في هذا الفيلم وراء المستوى الثاني، والذي ضخم حجمه المخرج خالد يوسف، والمتعلق بصراع بكر في مواجه والده ويونس، بكر شاب يرى في نفسه بطلا في الملاكمة، شجاع وقوي البنيان، ولا يريد العمل في وكالة السمك مع والده ولا يعجبه أسلوبه في التعامل مع التجار، من حيث تسامحه في مبالغ كبيرة والتساهل مع الباعة الصغار، ولكن الأب يتمسك بهذا الأسلوب ويحاول جذب الابن له لكن تبوء كل محاولاته بالفشل، واستحوذ صراع الابن والأب على غالبية مشاهد الفيلم، وكان بناءه الدرامي متماسك دون خلل في الشخصيات.
- المخرج خالد يوسف يعتمد أسلوب السرد الاسترجاعي في "الإسكندراني"
اعتمد المخرج خالد يوسف أسلوب السرد الاسترجاعي، حيث بدأ الفيلم من المنتصف، عودة بكر من أوروبا بعد غياب دام 10 سنوات وتظهر عليه علامات الثراء، ثم يعود بنا إلى بداية الأحداث من خلال فلاش باك نتعرف من خلاله على شخصيات الحج علي ويونس داخل وكالة السمك، وعلى شخصية بكر وسبب خلافه مع والده ومغادرته مدينة الإسكندرية، ثم نعود مرة أخرى إلى المواجهة المنتظرة بين بكر ووالده.
يمكن اعتبار الشخصيات المساعدة في الفيلم، هي التي حملت على عاتقها تفاصيل صراع الهوي، من خلال شخصية الخواجة والتي قدمها حسين فهمي، وصاحب المقهى والد قمر التي قدمها صلاح عبدالله، وابنة الخواجة، وجميعهم مثلوا الشخصيات المفضلة لدى أسامة أنور عكاشة "أولاد البلد الجدعان" و"الأجانب العاشقين لمصر والإسكندرية تحديدا".
وفي الثلث الأخير من الفيلم يبرز هذا الموضوع من خلال تصدي ابنة الخواجة لحركة التغير العمراني والعملي التي يصنعها بكر في المنطقة، من خلال تحويل وكالة السمك والمقهى وجميع المحال إلى شركة للتخليص الجمركي مستغلا ضعف الناس وقلة رزقهم وإغراءهم بالمال، فهي الوحيدة التي رفضت بيع محل الأنتيكا الخاص بوالدها ورفضت المبلغ الضخم الذي عرضه عليها بكر.
ولجأ خالد يوسف لأحد علامات أفلامه المميزة، وهو مشهد الاغتصاب الذي نفذه في أكثر من فيلم، مثل "هي فوضى" و"حين ميسرة" كدليل على فشل بكر في محاولة إقناع إيلينا (ابنة الخواجة) بالمال لكي تتخلى عن محل والدها، ولكنه ينتصر عليها في سياق آخر وهو الجنسي، حينما يفقدها عذريتها وفقا لمفهومه الذكوري عن المرأة، ويمكن اعتبار هذا الخط مقحم على العمل والأكثر ابتعادا عن عوالم عكاشة، ليس وجوبا على الصناع الجدد في تقديس ما كتبه عكاشة ولكن ما جعله مقحما هو عدم دفع هذا (الفعل) نحو أي تطور في سير الأحداث، بكر ظل متجبرا وشرسا ولم يعر انتباها لغضب والده على الفتاة التي كانت تعتبر أمانة في عنقه، ولم ينفذ خطته في الاستيلاء على المحل بعد انكسار الفتاة ومكوثها في المنزل، ومن أساسيات التطور الدرامي هو مشاركة الشخصيات والأحداث في التصاعد أو تطور الشخصية سواء تطورا سلبيا أو إيجابيا وهو ما لم يحدث.
وهناك بعض الخطوط الأخرى المضافة للأحداث التي يمكن اعتبارها مقحمة دون معرفة السبب أو الهدف منها، ولم تؤد إلى نتيجة أو يكون لها دورا فاعلا في تحريك الحدث، مثل حرص بكر على تحويل الرجال العاملين في وكالة والده إلى مدمنين مواد مخدرة "هيروين".
- بيومي فؤاد جسد شخصية الحج علي في واحد من أفضل أداءاته.. والعوضي شبيه بكر
أما على مستوى الشخصيات، يمكن اعتبار بيومي فؤاد أفضل الممثلين في الفيلم، جسد شخصية الحج علي في واحد من أفضل أداءاته السينمائية، أولا لأن مساحة الدور ساعدته في ذلك فهو البطل المضاد لشخصية بكر، وثانيا تقمصه للشخصية واعتماده على تعبيرات جسدية في لحظات الانكسار أو الفرح أو الشر، بعيدا عن المبالغة في استخدام الإفيهات وإن كانت موجودة بنسبة محدودة وفي سياقات جلسات "الصحبة / الشلة" التي تجمع بينه وبين أصدقائه.
ثم يأتي في المرتبة الثانية أحمد العوضي؛ لأن ملامحه الشخصية تشببه، شاب مهتم ببنيانه الجسدي، يلعب ملاكمة قوي، لذلك ساعدت البنية الجسدية له وأسلوبه ونبرة صوته في أن يكون ملائما لدور بكر، ليس إجادة منه للشخصية ولكن لأن الشخصية نفسها تشبه ملامحه الشكلية، وهو ما يعود إلى ذكاء المخرج في تسكين الأدوار.
على العكس يمكن اعتبار اختيار زينة لم يكن جيدا بدرجة كافية خاصة بسبب عامل العمر، زينة غير مناسبة لشخصية قمر على المستوى الشكلي؛ لأن ملامحها تبدو أكبر خاصة في مرحلة الفلاش باك.
وفيما يخص المستوى الإخراجي للفيلم، يمكن اعتبار أن أفضل ما قدمه خالد يوسف للفيلم، هو الابتعاد عن استخدام الحوارات المونولجية الطويلة للشخصيات التي تتسم بالوعظ أو الحكمة، المشهور بها شخصيات أسامة أنور عكاشة؛ لأنها غير مناسبة لفيلم سينمائي وغير مواكبة للعصر الحالي، بالإضافة إلى مشهد المواجهة بين بكر ووالده أثناء رقصهما رقصة "السكاكين" التراثية في الإسكندرية، والتي تعتبر مؤشر لمصير العلاقة بينهما ونهايتها.