محللون أمريكيون: صناع القرار في الغرب لا يدركون حقيقة التداعيات الاقتصادية للصدام بين الصين وتايوان

في أعقاب الحرب الروسية الأوكرانية واستعراضات القوة التي قامت بها الصين في مواجهة تايوان في العام الماضي، بدأت دوائر صناعة القرار في الحكومات والشركات الغربية تبحث احتمالية وتوقيت ووسائل الغزو أو الحصار الصيني المتوقع لتايوان.
من ناحيته، نشر مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية الأمريكي تحليلا كتبه ثلاثة من المحللين السياسيين والاقتصاديين أوضح أن الأبعاد الاقتصادية والمالية الحقيقية لأي صراع محتمل في مضيق تايوان مازالت غير حاضرة بالقدر الكافي على مائدة بحث صناع القرار الغربيين، رغم أن كل السيناريوهات الواقعية للعدوان الصيني ستؤدي إلى تداعيات سريعة الحركة وغير متوقعة، وسيحدث الكثير منها حتى قبل بدء الأعمال العدائية نفسها.
والتحليل الذي أعده جود بلانشيت أستاذ كرسي فريمان للدراسات الصينية في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية بواشنطن، وجيرارد ديبيو كبير محللي الشئون الجيواقتصادية في خدمة بلومبرج إيكونوميكس للتحليلات الاقتصادية والزميل السابق لبرنامج الدراسات الاقتصادية بمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، وكريستوفر جونستون كبير المستشارين ورئيس كرسي الدراسات اليابانية في المركز يشير إلى أن مضيق تايوان يعتبر ممرا مركزيا لحركة التجارة البحرية العالمية، كما أن تايوان هي أهم مركز لصناعة الرقائق الإلكترونية المتطورة والحيوية في العالم. وأي أزمة أو صراع في مضيق تايوان ستكون تكلفته عالية على الصين والولايات المتحدة وحلفائهما وشركائهما والاقتصاد العالمي ككل.
وطوال العام الماضي، نظم برنامج كرسي فريمان للدراسات الصينية، إلى جانب خبراء من برنامج الدراسات الاقتصادية وكرسي الدراسات اليابانية في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية سلسلة من المحاكيات المغلقة للتعامل مع سيناريوهات الأزمة التايوانية بمشاركة عدد من مسؤولي القطاع الخاص وبينهم مديرون لصناديق التحوط، وشركات الاستثمار المالي، وشركات الاستثمار في الأوراق المالية، وصناديق التقاعد، وبنوك الاستثمار، والشركات متعددة الجنسية في مجالات مختلفة. وعلى عكس التدريبات أو المناورات الحربية التقليدية التي غالبا (وربما بالضرورة) ما تقوم بتثبيت الاقتصاد العالمي أو تستخدم النماذج الرسمية لتقدير الآثار الاقتصادية لأي أزمة في تايوان، فإن سيناريوهات مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية تستهدف فهم سيكولوجية الشركات في التعامل مع مثل هذه الأزمة من خلال طلبها من ممثلي القطاع الخاص المشاركين في التدريبات بأن يعرضوا كيف سيتعاملون مع مختلف الصدمات الجيوسياسية في مضيق تايوان بدءا من مجرد صدام عارض بين بكين وتايبيه ووصولا إلى غزو صيني كامل للجزيرة.
ورغم أن حجم ونمط التداعيات الاقتصادية والمالية سيتوقف على الطبيعة الدقيقة للأحداث وتسلسلها، فإن نتائج التدريبات التي أجراها المركز قدمت بعض المعايير العريضة لكيفية اتخاذ الشركات والمستثمرين للقرارات في ظل بيئة من الغموض والمعلومات الناقصة أو غير الدقيقة.
وكان ممثلو أسواق المال الأكثر فهما للمخاطر المرتبطة بتايوان. فمنذ زيارة رئيسة مجلس النواب الأمريكي السابقة نانسي بيلوسي لتايوان في أغسطس 2022 ورد فعل الصين الغاضب على الزيارة، طور المستثمرون والشركات في هذ المجال فهما أكثر تعقيدا لدينامكيات العلاقة بين جانبي مضيق تايوان. وأصبح هذا القطاع بالفعل قادرا على التفاعل بهدوء نسبي مع أي أحداث تقع في نطاق تقييمهم الأصلي له، بما في ذلك قيام الجيش الصيني بتحركات عسكرية واسعة النطاق تبدو في طبيعتها مؤقتة، كما فعل أثناء زيارة بيلوسي، والتي لم تثر ردود فعل حادة من جانب الأسواق المالية لأنها جاءت في حدود توقعات القطاع الخاص.
في الوقت نفسه، يشعر المستثمرون الغربيون بالفعل بالاستياء من الصين. وقال أغلب المشاركين في السيناريوهات إنه حتى إذا تم تطويق أزمة أقل حدة أو تجنبها، فإن المسألة ستكون مسألة وقت حتى تحدث أزمة أكبر بين الصين وتايوان، لذلك فالأفضل الخروج من السوق الصينية عاجلا وليس آجلا.
كما أن المستثمرين والشركات يرون أن القيادة الصينية تحت رئاسة الرئيس الحالي شي جين بينج ستكون أقل استعدادا من القادة السابقين للتفاوض أو الوصول إلى حل وسط في أزمة، وقد يكون الحال نفسه في واشنطن بسبب القيود السياسية الداخلية التي يواجهها البيت الأبيض والذي يعمل تحت رقابة مشددة من جانب الكونجرس والرأي العام ككل.
لذلك، فإن ردود أفعال الأسواق على أي صدام محتمل بين طائرة صينية وأخرى تايوانية مثلا سيكون "فوريا تقريبا"، وستكون صناديق التحوط من بين أولى المؤسسات التي ستتحرك نتيجة مثل هذه الأزمة، التي يفترض أن يتم حلها بالطرق الدبلوماسية كما حدث عندما سقطت طائرة تجسس أمريكية فوق الأراضي الصينية في 2001. ومن المحتمل أن تقوم هذه الصناديق ببيع أجزاء كبيرة من استثماراتها الصينية والتايوانية، كما ستتخلص من استثماراتها في الشركات الصينية المدرجة في البورصة الأمريكية خوفا من أي عقوبات محتملة ضد هذه الشركات.
وإذا كانت التداعيات المالية لأي أزمة في مضيق تايوان تظهر بسرعة فإن التأثيرات على الاقتصاد الحقيقي ستظهر ببطء. فلكي تصل التأثيرات الاقتصادية الحقيقية إلى مستوى ردود الأسواق المالية، يجب أن تصل الأزمة إلى درجة القتال أو الحصار بين القوات الصينية والأمريكية، أو شيء من هذ القبيل يؤدي إلى خسائر حقيقية للأصول الفعلية ويهدد سلامة العمال وحركة رؤوس الأموال أو اضطراب في سلاسل الإمداد.
وستكون تداعيات الضغوط المالية على الاقتصاد الحقيقي كبيرة في حالة واحدة فقط وهي استمرار الأزمة أو حالة الغموض المحيطة بها لفترة طويلة.
ورغم أن الجميع سيخسرون في أي صراع صيني تايواني، فإن الصين ستكون الخاسر الأكبر. وإذا تم حل أي أزمة حادة عبر الطرق الدبلوماسية، ونجح الجانبان في تخفيف التصعيد، فإن التأثيرات المخيفة ستكون أكبر بالنسبة للصين وتايوان مقارنة بالأسواق الغربية، بسبب المخاوف من صعوبة عودة الأوضاع بين البلدين إلى طبيعتها، وإمكانية نشوب أزمة جديدة بينهما.
أخيرا يمكن القول إن المحاكيات التي نظمها مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية أكدت حقيقة أساسية وهي فجوة الفهم بين الحكومات من ناحية والقطاع الخاص من ناحية أخرى. فكل جانب يحاول بلورة تخمينات أو افتراضات حول ما سيفعله الجانب الآخر في لحظات الغموض وانعدام اليقين، وهو ما سنكون له تداعيات خطيرة في حال نشوب أي أزمة كبيرة بين الصين وتايوان.