الأعراس رفاهية لا ينالها معظم السوريين.. والأفراح للمغتربين

"انتهت القصة قبل أن تبدأ".. بهذه العبارة اختصر الشاب السوري لؤي حكايته مع الفتاة التي أحبها ونشأت بينهما مشاعر قوية في سنوات الدراسة الجامعية حتى تعاهدا على الزواج وبناء مستقبلهما معا.


وبعد تخرجهما، ذهب لؤي برفقة أسرته لطلب يد الفتاة التي أحبها وقلبه يكاد يطير فرحا، إلا أن المهر الذي طلبه والدها بدد كل أحلامه.


يقول الشاب "توقعت أن تكون الطلبات منطقية نوعا ما، خاصة أن الحال من بعضه من الناحية المادية للعائلتين، ولكن إصرار والدها على أن يكون المهر 50 ليرة ذهبية مقدما، ومثلها المؤخر، أصابني بالذهول".


وتُستخدم الليرة الذهبية في سوريا لأغراض، من بينها دفع المهور، إذ تشهد المحاكم الشرعية السورية إقبالا على تسجيل مهور الزواج بالليرات الذهبية التي يبلغ سعر الواحدة منها خمسة ملايين و900 ألف ليرة سورية (424.5 دولار)، ويأتي طلب المهر بالذهب للحفاظ على قيمته من التراجع تبعا لانهيار قيمة الليرة السورية المستمر عاما تلو الآخر إذ وصلت مؤخرا إلى 13900 ليرة مقابل الدولار الواحد.


يتابع لؤي الذي يعمل في مكتب هندسي بمدينة حمص في حديثه لوكالة أنباء العالم العربي (AWP) "منذ أن سمعت كلام الأب أدركت في داخلي أن هذا الزواج لن يتم، لكني قلت له إن المبلغ كبير، وهنا حاول إقناعي مستخدما أسلوب الترغيب الذي يتبعه التاجر للخروج بصفقة رابحة، فشعرت بالإهانة وخرجت غاضبا".


فالتدهور الاقتصادي الكبير في سوريا جعل من الزواج خطوة يصعب الإقدام عليها في ظل التكاليف الباهظة للأعراس التي تبدأ من مبلغ المهر الذي يدفعه العريس، مرورا بتجهيز المنزل وانتهاء بالذهب وتكاليف حفلات الخطوبة والزفاف.


* بعد تأجيل لسنوات.. زواج بلا عُرس


أما الشاب مازن كوسا، فلم يكن أمامه إلا أن يبيع حصته من قطعة الأرض التي ورثها وأخوته عن أبيه لاستكمال تكاليف زفافه، ويشرح لوكالة أنباء العالم العربي قائلا "اشترطت عائلة نور، وهي الفتاة التي تقدمت إليها، أن يكون حفل الزفاف في أحد الفنادق المعروفة التي لا يقل تكلفة الحفل فيها عن 40 مليون ليرة لعدد مدعوين يقارب 200 شخص".


ويتابع "المبلغ الذي سبق ووفرته بالكاد يكفي لشراء أثاث جديد للشقة مع عفش وأجهزة منزلية، لذلك لم أجد أمامي مخرجا سوى بيع حصتي من الأرض".


من جهتها، تؤكد نور رفضها التنازل عن أي حلم لها في حفل زفافها بعد سنتين من ارتباطهما وتقول "رغم ارتفاع الأسعار فإنني حرصت أن يتضن حفل زفافي كل ما أرغب به، فهي ليلة العمر علينا أن نسعد بكل تفاصيلها"، وتضيف "سيكون حفلا رائعا وإن كلّفنا مبلغا كبيرا".


أجبر تردي الأوضاع الاقتصادية والمعيشية والمالية في البلاد  كثيرين على تأجيل زفافهم ريثما تستقر الأوضاع أو الاكتفاء بتنظيم عرس بسيط يقتصر فقط على العائلة والمقربين، حيث عمدت رزان وهي خريجة أدب فرنسي ومعلمة في إحدى المدارس الحكومية إلى تأجيل موعد حفل زفافها لأكثر من مرة خلال خمس سنوات من خطبتها على أحمد الذي يعمل فني نجارة مع والده في حلب.


ففي كل مرة تنجح فيها رزان وأحمد في تأمين المبلغ المطلوب لدفع تكاليف الزفاف ترتفع الأسعار ويضطران للعمل مجددا على تجميع الفارق الجديد في المبالغ المطلوبة، هذه الدوامة دفعتهما أخيرا إلى اتخاذ القرار الصعب وهو الزواج من دون حفلة أو أي مظهر من مظاهر الأعراس التقليدية.


وتقول رزان لوكالة أنباء العالم العربي "العروس التي كانت تحلم بعرس كبير ارتضت بالواقع، لا بأس. نحن مضطرون لتقديم بعض التنازلات، فمع كل هذا الغلاء المتزايد أصبح هناك أولويات، فرش البيت مثلا أهم من الحفل وتجهيز منزلي بما ينقصه من حاجيات أهم، فلذلك اتفقنا على الزواج من دون حفلة واقتصر زواجنا على عشاء في منزلنا جمع المقربين فقط".


من جانبها، تقول السيدة نديمة التي زوّجت ابنتها الشهر الماضي لشاب يسكن مع عائلته في منزل واحد في ريف حلب "لم نطلب شيئا سوى محبس الزواج. تخلت ابنتي عن المقدم من المهر وعن ملبوس البدن"، وهو مبلغ متعارف عليه في سوريا يقدمه العريس لخطيبته لتشتري به ما يسمى "جهاز العُرس".


وتضيف السيدة الخمسينية "حاولنا كثيرا أن نوفر عليه قدر المستطاع، مع أننا كنا نتمنى إقامة عرس جميل كما نحلم لابنتنا، ولكننا نحمد الله فمعظم الناس غير قادرين على شراء وجبة طعامهم في ظل الظروف المعيشية الصعبة ولا يمكننا تجاهل أن راتب أي موظف سواء كان مهندسا أو طبيبا أو غير ذلك لا يتجاوز 150 ألف ليرة".


وتشير دراسة أجرتها صحيفة (قاسيون) المحلية إلى أن متوسط تكاليف المعيشة لأسرة سورية مكوّنة من خمسة أفراد قفز في نهاية النصف الأول من عام 2023 إلى أكثر من 6.5 مليون ليرة سورية. أما الحد الأدنى فقد وصل إلى أكثر من 4.1 مليون ليرة في حين ظل الحد الأدنى للأجور ثابتا عند قرابة 93 ألف ليرة.


* أرقام فلكية


تقول منسقة الأعراس لونا بشلاوي إن تكلفة تزيين العروس في صالونات الشعر بالعاصمة دمشق تبلغ 700 ألف ليرة في المتوسط، فيما تتراوح أجرة الفستان الأبيض لليوم الواحد بين 900 ألف ليرة و1.5 مليون ليرة، إضافة لأجرة بدلة العريس وأجرة تصوير العرس التي تتراوح بين المليون ونصف حتى خمسة ملايين ليرة.


ولكن هذه ليست سوى دفعات أولى بسيطة في احتساب تكاليف حفل الزفاف لأن المبلغ الأكبر يذهب إلى صالة العرس حيث تتراوح تكلفة الضيف الواحد من 60 ألفا إلى 150 ألف ليرة. وإذا قرر العروسان إقامة الحفل في أحد الفنادق، فستتضاعف الأسعار وتقفز تكلفة الضيف الواحد إلى ما بين 150 ألف ليرة و250 ألفا.


الأمور مختلفة بالنسبة للطبيبة ليلى التي تعمل في دولة الإمارات هي وخطيبها المهندس المعماري. وتقول لوكالة أنباء العالم العربي "قبل سفرنا كنت أدافع أمام صديقاتي عن رغبتي أنا وخطيبي بإقامة حفل الزفاف في منزل عائلته الكبير في ريف حمص، أما اليوم وبعد سنتين من سفرنا استطعنا توفير المال اللازم لتغطية تكاليف حفل الزفاف في أشهر فنادق دمشق".


الأولويات اختلفت بالنسبة لليلى، حيث أشارت إلى أن همها الأكبر حاليا هو الفستان الأبيض الذي سترتديه وطول طرحته بغض النظر عن سعره، ونوعية الطعام الذي سيقدم للمدعوين خلال الحفل وليس تكلفته.


حال ليلى هو حال أغلب المغتربين الذين يشكلون القطاع الأكبر من المقبلين على الزواج في سوريا.. فبمقدورهم إقامة حفلات زفاف في فنادق فخمة وتحمل نفقات لا قِبل للمقيمين في البلاد تحملها بسبب الصعوبات الاقتصادية.


وتشير منسقة الأعراس لونا إلى أن معظم الأعراس التي تنظمها الشركات اليوم هي لمغتربين سوريين قرروا إقامة أعراس كبيرة يصل فيها عدد المدعوين إلى 500 شخص بينما أعراس المقيمين لا تتجاوز في الغالب 100 شخص ويختارون لها مطاعم وأماكن تنسجم مع قدرتهم المالية.


ووفقا لتقرير صادر مؤخرا عن مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة، فإن 85 بالمئة من الأسر السورية لا يمكنها الوفاء باحتياجاتها الأساسية، ويعاني أكثر من 12 مليون شخص من انعدام الأمن الغذائي، وتعمل أقل من 60 بالمئة من المرافق الصحية بكامل طاقتها، ولا يزال أكثر من مليوني طفل خارج التعليم.


ووفقا لتقرير (لمحة عامة عن الاحتياجات الإنسانية 2023)، تم تصنيف 203 من أصل 270 ناحية في سوريا حاليا على أنها تحت ظروف قاسية أو شديدة أو كارثية.