عوني الظاهر.. مدرس كيمياء متقاعد نصّب نفسه حارسا للتراث الفلسطيني

يرتدي زيا فلسطينيا تراثيا قديما، ويعتمر كوفية وعقالا، ويحمل روحا متفردة تضفي على تجارب حياته طابعا متميزا.


إنه معلّم الكيمياء الفلسطيني المتقاعد عوني الظاهر، الذي يسعى بشغف لترسيخ تراث يخشى عليه من الضياع يوما.


يبرق اسمه كعاشق لتراث فلسطين، وكأنما يكتب تاريخها بأنامله، ويرسم هويتها بريشته، وينقل ثقافتها بمقتنياته.


وفي بلدته ياصيد بشمال الضفة الغربية، يخصص الظاهر (62 عاما) الجزء الأكبر من مساحات منزله لحفظ أشياء تكاد تتلاشى، ويمنح الأجيال الجديدة فرصة نادرة لتواصل أعمق مع تراثهم. يحوّل نفسه إلى قوة محركة تنقلنا إلى عوالم الماضي بأسلوب متميز مثير.


يحتضن ذكريات عمره المليء بالجمع والبحث في أعماق التراث، ويفتح أبواب متحفه الخاص الذي يضم الآلاف من مقتنيات تروي قصص الحياة الفلسطينية على مدى مئة عام.


يشير الظاهر بيده إلى رخصة أول جهاز مذياع سُمح باقتنائه في فلسطين، ويمر على عملات معدنية نادرة، ينظر إلى كل الأشياء والتفاصيل ويقول "هذه ثروتي وهذا ميراثي لأبنائي وأحفادي وكل فلسطين".


ثم يبتسم بمزيج من الفخر والأسى.


يأبى الظاهر الاستسلام للانقشاع والنسيان، ويصف نفسه بأنه "مصارع  للزمن والظروف لإنقاذ تراث شعب من الضياع والتشويه".


ويحلم بإقامة متحف وطني يعرض فيه كل ما جمعه من كنوز وآثار وذكريات.


* متحف فلسطين


يغوص عوني الظاهر في بحر كنوزه كي يستخرج أجمل الملامح وأعذب الذكريات. يعيش مع كل قطعة تراثية روحا جديدة، يتنقل معها عبر الأجيال والأزمنة وهو يشرح تفاصيلها.


وكي يضمن لنفسه تفرغا في مشروعه (متحف فلسطين)، طلب الظاهر تقاعدا مبكرا من سلك التربية والتعليم الذي عمل فيه مدرسا لأحد عشر عاما، وبعدها رئيسا لقسم التقنيات.


يقول "بدأت بعمل متحف لفلسطين، كان الهدف منه عمل مقارنة بين كيف كانت الأشياء قبل 100 عام وإلى أين وصلت اليوم. جمعت هذه الأشياء كلها في خزائن وطاولات مجمعة لعمل مجموعات تحكي كل منها قصة من قصص التراث الفلسطيني في صوره المختلفة كالمسابح والألعاب والساعات والتليفونات".


تطور الموضوع بعد ذلك ليشمل عقد مقارنات بين التراث الفلسطيني وتراث الدول العربية الأخرى.


وحول القطع المعدنية التي جمعها في علب بلاستيكية يقول "هذه القطع تعني لي حياتي، قطعة واحدة منها كانت تستخدمها والدتي لتوفر لنا اكتفاء ذاتيا من الطعام والشراب".


يعود بالذاكرة إلى عام 1967 راويا جزءا من تفاصيل العيش في ذلك الوقت، ويقول "في بيتنا هذا كنا نصنع ملبسنا من صوف الغنم، كنا نملك ماكينة خياطة ونفصل ملابسنا، والطعام كان يكفينا ستة أشهر من مخللات وحلويات وخبز وطحين وحبوب وخضروات وفواكه وعسل ومشتقات الحليب. فكيف لا تعني لي هذه القطع الكثير؟".


يتمنى الظاهر العودة لاستخدام الأدوات القديمة، ويقول "أحفادي عندما يأتون لزيارتي أوزع عليهم ألعابا قديمة، فلدي في متحفي الكثير منها ولدي أكثر من 100 وسيلة تعليمية للأطفال. أراهم يلعبون ويقضون وقتا ممتعا ويتركون كل الأجهزة الخلوية وينسونها".


يُقَسم الظاهر متحفه إلى زوايا متنوعة، فتلك يُطلق عليها زاوية الإنارة قبل 100 عام، وهذه زاوية الخناجر، أما تلك التي تقبع في أقصى الممر فركن النحاسيات.


يقول "متحفي تحول إلى مزار دائم للباحثين عن التراث الفلسطيني، وأصبحتُ مصدرا للدراما الفلسطينية، فمن يحتاج إلى زي تراثي فلسطيني أو أدوات قتال قديمة يلجأ إليّ".


ويؤكد "أريد أن أكون عونا للجميع في تعزيز حضور التراث الفلسطيني، وسأواصل هذه الرسالة دوما".