ذكرى قصف هيروشيما.. تذكار عالمي لتجنيب الكوكب ويلات الأسلحة النووية

أحيت اليابان، اليوم، الذكرى الثامنة والسبعين للقصف الأمريكي لمدينة هيروشيما بالقنبلة الذرية، والذي أسفر عن مقتل ما يقرب من 140 ألف شخص، في واحدة من أكثر أحداث الحرب العالمية الثانية مأساوية، وفي أعنف هجوم عسكري عبر التاريخ.


وقد تجمع الناس، من بينهم ناجون من القنبلة وأحفادهم، في حديقة السلام التذكارية بالمدينة لتكريم الضحايا في ساعات الصباح الباكر، ووقفت المدينة الواقعة بغرب اليابان هيروشيما لحظة صمت عند الساعة 8:15 من صباح الأحد، في ذات الزمن الذي أسقطت فيه طائرة أمريكية القنبلة الذرية على المدينة في السادس من أغسطس عام 1945.


ومن بين 50 ألف شخص حضروا إحياء الذكرى الأليمة، كان هناك ممثلون من 111 دولة، وهو أعلى رقم مسجل في هذه المناسبة، فيما لم تتم دعوة ممثلي روسيا وبيلاروسيا للمناسبة، مثلما جرى في العام الماضي، بسبب الحرب في أوكرانيا.


وكان من أبرز فعاليات الحدث إعلان السلام التقليدي الذي ألقاه عمدة هيروشيما كازومي ماتسوي، الذي أشاد بالزيارة التاريخية لقادة مجموعة السبع في مايو الماضي إلى الحديقة اليابانية ومتحف القنبلة الذرية فيها، داعيا صناع السياسة في العالم إلى التخلي عن فكرة حسم الحروب بواسطة الأسلحة النووية.


وقال ماتسوي إن قادة مجموعة السبع أكدوا آنذاك التزامهم بتحقيق عالم خال من الأسلحة النووية، كما قالوا أيضا إن سياساتهم الأمنية تستند إلى فهم أنه طالما كانت الأسلحة النووية موجودة، فيجب أن تخدم أغراضا دفاعية، مشددا على ضرورة انضمام اليابان على الفور لمعاهدة حظر الأسلحة النووية التي توقع عليها، خاصة أنها لا تحظى بدعم القوى النووية مثل الولايات المتحدة وروسيا، وغيرهما.


من جهته، شدد فوميو كيشيدا رئيس الوزراء الياباني الذي تنحدر عائلته من هيروشيما، في كلمة بالمناسبة، على أن الدمار الذي أحدثته الأسلحة النووية في هيروشيما وناجازاكي لا يمكن أن يتكرّر أبدا، مؤكدا أن بلاده، التي تعتبر الدولة الوحيدة التي تعرضت لقصف ذري خلال الحرب، ستواصل جهودها من أجل عالم خال من الأسلحة النووية، رغم قناعتها بأن الطريق إلى نزع السلاح النووي أصبح أكثر خطورة بسبب الانقسامات الدولية العميقة والتهديدات باستخدام هذا النوع من الأسلحة.


بدورها، تلت إيزومي ناكاميتسو الممثلة السامية لشئون نزع السلاح، أمام نصب السلام التذكاري بهيروشيما، رسالة أنطونيو غوتيريش الأمين العام للأمم المتحدة، جاء فيها، أن طبول الحرب النووية تدق مرة أخرى، وأن انعدام الثقة والانقسام يتصاعدان، محذرا من أن شبح الحرب النووية الذي كان يلوح في الأفق خلال الحرب الباردة قد ظهر من جديد.


وناشد جوتيريش المجتمع الدولي التحدث بصوت واحد بشأن هذه القضية على النحو المبين في خطته الجديدة للسلام، والتي تدعو الدول الأعضاء إلى إعادة الالتزام بالسعي نحو بناء عالم خال من الأسلحة النووية، وتعزيز المعايير العالمية ضد استخدامها وانتشارها.


وأكد أنطونيو جوتيريش على ضرورة التزام الدول التي تمتلك أسلحة نووية بعدم استخدامها مطلقا، معربا عن التزام منظمته بمواصلة العمل لتعزيز القواعد العالمية بشأن نزع السلاح وعدم الانتشار، لا سيما عبر معاهدتي عدم انتشار الأسلحة النووية، وحظر الأسلحة النووية.


وقد دمر قصف هيروشيما كل شيء في نطاق 1.5 كيلومتر من نقطة الصفر، وخلق حرارة شديدة تصل إلى 3000 درجة مئوية، ما أدى لتدمير سبعين بالمائة من المدينة التي باتت ركاما، في مشهد مأساوي يعكس فظاعة هذه الأسلحة.


وبعد ثلاثة أيام من تدمير هيروشيما بالقنبلة الذرية، المعروفة باسم "ليتل بوي"، أسقطت الولايات المتحدة قنبلة ثانية على مدينة ناغازاكي، لتأتي معها نهاية الحرب العالمية الثانية بعد ستة أيام، بعد أن استسلمت اليابان لقوات الحلفاء.


وبينما أعلن الأمريكيون أن عدد قتلى التفجيرات الذرية بلغ 117 ألفا، قال اليابانيون إنه يقترب من نصف مليون شخص، لكن أيا كانت الحصيلة فإن الأسلحة النووية تعد أبشع أسلحة القتل والفتك حتى الآن على نطاق عالمي، وآثارها تتجاوز البشر والبنى التحتية لتطال البيئة والطبيعة اللتين لا تتوافقان مع هكذا أسلحة، فحتى الناجون من ذلك القصف، الذين يطلق عليهم اسم "هيباكوشا"، يعانون من السرطان والتشوه وأمراض يصعب علاجها.


وعادت صورة هيروشيما للأضواء، حاملة معها ذكريات سيئة في أذهان العالم، وآلام الناجين منها، حينما استضاف فوميو كيشيدا رئيس الوزراء الياباني، في مايو الماضي، قمة مجموعة الدول السبع الصناعية الكبرى في المدينة الواقعة غربي بلاده.


وأصدرت القمة أول وثيقة مشتركة من نوعها لمجموعة السبع حول نزع السلاح النووي، بعنوان رؤية هيروشيما، والتي وصفت معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية بأنها "حجر الزاوية" لعدم الانتشار و"الأساس" لنزع السلاح، وفيها عبر القادة عن التزامهم بنزع السلاح، لكنهم شددوا على أنه طالما ظلت الأسلحة النووية موجودة فيجب استغلالها لردع العدوان ومنع الحرب.


ويأتي الاحتفال بذكرى القصف الذري على هيروشيما بمثابة نداء عالمي من أجل السلام، والعمل دون كلل من أجل نزع السلاح النووي من كوكب الأرض، والتعهد بعدم استخدامه، دون أن يحجب الضوء عن هدف الأمم المتحدة نحو تحقيق نزع السلاح النووي العالمي، الذي كان موضوع القرار الأول للجمعية العامة عام 1946، وأنشأت بموجبه لجنة الطاقة الذرية مع تفويضها بتقديم مقترحات محددة للسيطرة على الطاقة النووية والقضاء على الأسلحة الذرية وجميع الأسلحة الرئيسية الأخرى القابلة للتكيف إلى الدمار الشامل.


وكانت الأمم المتحدة في طليعة العديد من الجهود الدبلوماسية الرئيسية لتعزيز نزع السلاح النووي منذ ذلك الحين، حيث أقرت جمعيتها العامة في عام 1959 هدف نزع السلاح العام الكامل، كما تبنت دورتها الاستثنائية الأولى، في عام 1978، قرارا بأن يكون نزع السلاح النووي هدفا ذا أولوية في مجال نزع السلاح، وقد عمل كل أمين عام للأمم المتحدة بنشاط على تعزيز هذا الهدف، ومع ذلك لايزال هناك أكثر من اثني عشر ألف سلاح نووي في العالم، كما أن لدى البلدان التي تمتلك تلك الأسلحة خططا ممولة جيدا لتحديث ترساناتها النووية، دون أن يتخلص العقل البشري من هواجس رؤية استخدام جديد لهذا النوع من الأسلحة في أي مكان من الكرة الأرضية، وما يحمله ذلك من مآس ودمار محتمل.