"رئيس الوزراء: تفعيل غرف العمليات بجميع المحافظات لمواجهة أي طوارئ خلال فترة العيد "
المهندس أحمد العصار يكتب عن والده فى ذكراه الثالثة: الفريق العصار.. الإنسان

لم أكن أتوقع أبدا رد فعل الشارع المصرى على وفاة الفريق العصار وحجم المشاركة الشعبية فى وداعه.
أذهلنى تماما كل هذا الحزن وكيف تحولت وسائل التواصل الاجتماعى إلى دفتر عزاء وتخيلت للحظة أننى أمام وداع رجل لم أعرفه.
فى ذكرى رحيل الفريق العصار الثالثة، أود أن أشارك القارئ الكريم بعض تفاصيل شخصية محمد العصار الإنسان وجوانب من حياته التى لا يعلم عنها الكثيرون، لعلنا نضرب المثل والقدوة لشباب مصر ونعلى روح القيم النبيلة فى مجتمعنا.
البداية كانت فى دمنهور، المدينة التى يعتز بها العصار والتى أمضى فيها طفولته حتى حصل على الثانوية العامة من مدرسة دمنهور الثانوية التى تزامل فيها مع الدكتور مصطفى الفقى.. ويحكى العصار كيف كان الدكتور مصطفى الفقى يقضى وقت إجازة الصيف كاملا فى مكتبة البلدية.
فى دمنهور، قضى العصار وقتا كبيرا مع جده الشيخ الأزهرى المعمم، والذى كان يقف له الناس احتراما. وربما كانت هذه هى النبتة الأولى فى طريق الدين والدافع لحفظ ما يقرب من ٠ ٢ جزءا من القرآن الكريم مع الالتزام بقواعد التجويد الصحيحة.
منذ الصغر كان يفضل العصار أن يجلس مع جده وأصدقائه وأن يستمع إلى أحاديثهم وتناولهم للموضوعات المختلفة والشأن العام ومع بدايات شبابه كان دائم الاستماع إلى خطابات عبدالناصر وقراءة مقالات الأستاذ هيكل بانتظام، ولقد رأيت سعادة حقيقية على وجهه حين دعاه الأستاذ هيكل إلى مقابلته فى مكتب الأخير.
بعد وفاة الفريق العصار نقل الأعلامى شريف عامر شهادة الأستاذ هيكل عن العصار وهى «مش محتاج أى مجهود علشان تعرف إنه عقل مثقف جدا ومنفتح جدا، لكن محتاج مجهود كبير علشان تعرف تدخل عقله وتعرف تتكلم معاه ويمنحك ثقته».
وأنا اعتقد أن شغف العصار بالسياسة والشأن العام كان له أثر مباشر فى قدرته على التواصل مع جموع المصريين من خلال لقاءاته أو تصريحاته الإعلامية وفى التواصل أيضا مع مختلف الأحزاب والحركات السياسية والشباب والإعلام بعد ثورة يناير. فالهواية أو الشغف أصبح جزءا من عمله فبرع فيه واستطاع التعامل مع كل التيارات السياسية واحتوائها.
انتقل العصار إلى القاهرة للالتحاق بالكلية الفنية العسكرية وتخرج فيها بالدفعة 4 عام 67 برتبة ملازم أول والتحق بسلاح «الأسلحة والذخيرة» تخصص رادار وصواريخ وأمضى معظم سنين خدمته بقوات الدفاع الجوى حتى عمل رئيسا لشعبة الأسلحة والذخيرة بها ثم انتقل بعد ذلك إلى هيئة التسليح ثم أخيرا إلى الأمانة العامة لوزارة الدفاع ليكمل مسيرة عمرها 4٨ عاما بالقوات المسلحة المصرية.
ومن الجدير بالذكر أن الفريق العصار كان يكن احتراما كبيرا للفريق إبراهيم سليم مدير الكلية الفنية العسكرية وقت أن كان العصار طالبا فيها وتشاء الأقدار أن يشغل العصار منصب وزير الإنتاج الحربى وهى نفس الوظيفة التى شغلها الفريق إبراهيم سليم فى سبتمبر ١٩7١.
شارك العصار فى حرب الاستنزاف وحرب أكتوبر المجيدة كضابط إصلاح لكتائب الصواريخ ومن المواقف الطريفة أن العصار كان يتأكد من جاهزية أحد الرادارات يوم 6 أكتوبر ١٩7٣ فى بورفؤاد على الضفة الشرقية للقناة قبل أن يعلم أن الحرب بعد ساعات وكان يقول «لو طيارة إسرائيلى حدفتنى بطوبة كنت حاموت».
ننتقل إلى الحديث عن الأسرة لنبدأ بالزوجة الدكتورة صفاء العصار توأم روحه وبنت عمه وكاتمة أسراره ورفيقة رحلته لزواج دام 5٢ عاما خاضا خلالها غمار الحياة معا لم يفترقا ولم يختلفا إلى أن أبت أرواحهم إلا أن تتلاقى فى الدار الأخرى (بمشيئة الله) لترحل الدكتورة صفاء العصار عن عالمنا بعد زوجها بـ ١٠٠ يوم.
أما محمد العصار الأب فكان عطوفا حانيا قريبا من أولاده رغم كثرة مشاغله، ولا يوجد «ميرى» فى البيت، طريقته فى التربية أن يكون قدوة ليتعلم منه أولاده بشكل سهل وسلس.. وللأحفاد مكانة خاصة وكانوا يطلقون عليه «المحامى بتاعهم».
محمد العصار الزميل كان وفيا مخلصا، لا يفوته واجب أو مناسبة، شديد الاعتزاز بزملائه من دفعته ولا يتردد فى قضاء حوائجهم.
كانت له عادة أن يتصل بأى شخص خرج إلى المعاش فور صدور القرار وكان دائما يقول «القائد بتاعك مرة هوه القائد بتاعك العمر كله».
فى العمل كام حازما شديد الانضباط وكنا نسمع عن صرامته وطيبة قلبه فى مزيج نادر. يعمل 7 أيام فى الأسبوع وفى الإجازات والأعياد، كان يقول «بستنى يوم الجمعة علشان أخلص البوسطة».
بعد انتهاء حفل زفافى توجه للمرور على أحد المشاريع وبعد ثورة يناير عاد إلى المنزل فى شهر مارس.
له أدوار ومساهمات كثيرة فى ملفات مهمة للدولة المصرية. كان العصار كتوما جدا فى عمله يجدد النية لله دائما وكان مقتنعا تماما أن عمله هو عبادة لله سبحانه وتعالى.
شاءت الأقدار أن تضع هذا الرجل فى قلب المشهد أثناء وبعد ثورتى يناير و٣٠ يونيو ومع ذلك احتفظ ببساطته وتواضعه، هو نفس الشخص لم يتغير ولم يتكبر، يتبسط مع الجميع، يخرج بدون حراسة ويضع صوب عينيه يوم تقاعده ودائما ما كان يذكر أولاده بهذا اليوم.
بعد ثورة يناير وفى أصعب اللحظات كان ثابتا متزنا يقف على أرضية صلبة من الإيمان بالله والقضاء والقدر، لم أره قلقا إلا فى مواقف نادرة أذكر منها:
ــ أحداث الفتنة الطائفية فى المقطم لخطورتها الشديدة على تماسك الوطن لو اتسعت رقعتها.
ــ قبل ثورة ٣٠ يونيو وأثناء العمل على تقدير الموقف وإعداد السيناريوهات المتوقعة إذا نزل المصريون إلى الشارع بأعداد كبيرة، رأيته دائم التفكير و«شايل الهم» لاستشرافه المستقبل.
ربما كان للمواقف الصعبة التى مرت بها مصر بعد ثورة يناير فضل فى كشف معادن الرجال والإفصاح عن شخصياتهم، فلقاء العصار الأول الذى أطل به على الشعب المصرى بعد تنحى مبارك كان له أثر بالغ فى طمأنة المجتمع المصرى فى وقت كان العنوان الرئيسى فيه هو الخوف والقلق.
كانت حكمة العصار وممارسته لليقين بالله ورضاه بالقضاء والقدر انعكاسا كبيرا على إيصال هذا الشعور بالطمأنينة إلى جموع المصريين.
من المعروف أن العصار أكد للإعلامية منى الشاذلى قبل اللقاء أنه لا توجد خطوط حمراء.
كان العصار بشوشا متواضعا حكيما هادئا، أخفى رقة مشاعره خلف «الوش الميرى».. لمس الشعب المصرى هذه الصفات وأحس بها فاستمع إليه ووثق فيه.
أعتقد أيضا أن جزءا من تقدير المواطن المصرى للعصار يعود إلى ما لمسه من العمل والإنجاز، فمن يتابع الأخبار المنشورة عن وزارة الإنتاج الحربى أثناء فترة تولى العصار يدرك حجم الجهد الذى تم بذله للنهوض بالوزارة فى مختلف المجالات.
مما لا يعمله الكثيرون أن العصار كان يعمل أثناء فترة مرضه الشديد واحتجازه بالمستشفى وكان يطلب البوسطة يوميا وعقد اجتماعا فى غرفته بالمستشفى، إلى أن وصل به الوضع الصحى إلى درجة تمنعه تماما عن العمل وفى أصعب أوقات مرضه كان يقول «أنا راضٍ تماما وممتثل».
رحم الله والدى الفريق العصار وأسكنه فسيح جناته.