بيت الروبي.. قراءة سريعة في سيناريو الفيلم

خرج إلى شاشات العرض فيلم "بيت الروبي"، في تعاون جديد بين المخرج بيتر ميمي، والفنان كريم محمود عبد العزيز، حيث بدأ عرض الفيلم قبل أسبوع تقريبًا من موعد انطلاق عروض أفلام موسم عيد الأضحى 2023.


وتدور قصة فيلم بيت الروبي، تأليف محمد الدباح وريم القماش، حول المهندس إبراهيم، كريم عبد العزيز، الذي ترك أسرته في القاهرة منذ سنوات؛ ليعيش في مكان منعزل بإحدى المناطق النائية في مدينة ساحلية، تاركًا خلفه أزمة كبرى واجهته وزوجته الطبيبة نور، ولكن لا تستمر حياتهما في هدوء كما تمنى، حيث يجبره شقيقه كريم محمود عبد العزيز، على العودة بسبب بعض الإجراءات القانونية التي يحتاج لها لكي يستطيع تشغيل مركز التجميل وتصفيف الشعر الخاص بوالدهم بعد تطويره، وعند العودة يتعرض إبراهيم لكثير من المواقف التي تقلب حياته وتعيد أزمة زوجته إلى تصدر التريند مرة أخرى.


بيت الروبي.. لعبة الحفاظ على تركيز المتفرج


"يعرف الحدث الدرامي أنه الفعل الذي يكون قابلاً للنمو ويمتاز بالوحدة ويخضع لقانون السببية وتكون نهايته مختلفة عن البداية، وخلال وقوع هذا الفعل يجب على الكاتب أن يضع أمام عينيه أن أي متفرج يريد منه أن يجذبه إلى سؤالين، ماذا يحدث، لأن هذا يضمن أن المتفرج سوف يفكر بطريقة فنية ومنتبهة للحدث، والثاني ماذا بعد، وطرح هذا السؤال يعني أنه لا يكفي مطلقاً أن تطرح فكرة وتتصور أن ذلك يشبع المتفرج إذن لا بد من خلق أحداث وتطورات مواقف نضع فيها الشخصيات، وذلك يرتبط بمفهوم تعاقب الأحداث"، وفق ما ورد في كتاب "كتابة السيناريو تدريبات ونماذج".


وحال الإسقاط على حبكة فيلم "بيت الروبي" سوف نجد أن هذا أحد أهم جوانب نجاح سيناريو الفيلم في جذب الجمهور أغلب الوقت للأحداث، لأن العمل به الكثير من التطورات الدرامية المتتابعة، فها نحن نبدأ مع إبراهيم "كريم عبد العزيز"، وأسرته التي تعيش في مكان بعيد في الصحراء داخل منزل بسيط، وتركز البداية على عرض مميزات هذه الحياة التي اختارها إبراهيم لأسرته، الأمان والهدوء والابتعاد تماماً عن استخدام الهواتف الذكية والأنشطة تتمثل في السباحة والرسم واللعب.


ويؤسس السيناريو جيداً أزمة هذه الأسرة وبالتدريج، من خلال مشهد الزائر العابر الذي يتحدث إلى زوجة إبراهيم "نور"، عن عدم اهتمامه بتعليم ابنته، ويستشهد بها: "انتي دكتورة أهو وقعدتي في البيت عشان تربي ولادك وتهتمي بزوجك"، ونظراتها في هذه اللحظة تتغير وكأن هناك سر وراء الابتعاد عن العمل يعكر صفوها كلما تذكرته، فيما تنكشف المشكلة بشكل أكبر عندما يأتي شقيق إبراهيم "كريم محمود عبدالعزيز"، وزوجته الحامل "تارا عماد"، إلى المكان ويظهر اهتمام تارا بتصوير كل شيء على صفحتها الخاصة عبر إنستجرام، الطعام والمكان، ويبدو إبراهيم وزوجته منزعجين من هذا الفعل بل وينفعل إبراهيم في لحظة ما عليها.


البداية هنا تعمل على شقين الأول عرض مميزات حياة إبراهيم بعيداً عن القاهرة، والذي سوف يظهر التضاد فيما بعد بمجموعة مشاهد تعبر عن المشاكل التي يمكن للإنسان أن يواجهها في حياة مدينة مثل القاهرة، والثاني تشويق المتفرج وتوجيهه لسؤال "ماذا حدث" أو ما الأزمة التي جعلت هذه الأسرة عدو لمنصات التواصل الاجتماعي بهذا الشكل، وهذا السؤال يولد فضول وترقب لدى المتفرج.


منصات التواصل الاجتماعي.. أزمة التريند


مع تتابع الأحداث ينكشف للمتفرج الفكرة الرئيسية للعمل، وهي أزمة اللهث وراء ما يسمى التريند، وأن كل شيء يمكن أن يصبح بين ليلة وضحاها حديث يهتم الناس بالكلام عنه عبر الوسائط التي تقدمها منصات التواصل الاجتماعي للناس، مثل البث المباشر والصور والهاشتاج، ونتعرف على أزمة الطبيبة التي اضطر زوجها للهرب بها وبأولاده بعيداً للخلاص من ملاحقة الكاميرات لهم في كل مكان واقتحام مساحتهم الشخصية.


"كل مشهد ينبغي أن يكون ناتجاً عما قبله وأن يكون ممهداً لما بعده" هذه إحدى قواعد كتابة السيناريو المفعلة جيداً في الفيلم، رغم بعض الهفوات الصغيرة في التفاصيل ولكنها لا تهدم اتباع سيناريو الفيلم لها، "أي أن الحدث الذي تحاكيه الدراما أو توحي به لا يمكن أن يكون منفردأ كجزء بوظيفة معينة وإنما يستمد وظيفته من علاقته بالأجزاء الأخرى أي بالكل"، وهذا المعنى الذي أشار له علي أبو شادي في كتابه "سحر السينما".


فيما نرى الشخصية الرئيسية –إبراهيم- يمر بمجموعة من الأزمات المتعاقبة بسبب طول مدته في القاهرة، تتعرض ابنته لأزمة صحية بسبب الطعام الذي تأكله في أحد المطاعم مع عمها، والعم نفسه لديه مشكلة رئيسية بسبب منافسه الذي تعمد تقليد مشروعه وسرقة الزبائن، والزوجة لديها أزمة من الماضي تخشى أن تظهر إلى العلن مرة أخرى، وفي وسط كل هذا يتعرض البطل أيضاً لأزمة خاصة وهي الافتتان ببريق التريند.


دائماً ما نذكر أن الصدفة العابرة تضعف من قوة البناء الدرامي للحدث، لكن الصدفة التي تحول شخصية إبراهيم وتجعله يفتتن بالتريند قد تم التأسيس لها جيداً منذ بداية الفيلم، وهي وجود شخصية رئيسية تسعى طول الوقت لتصوير ما يحدث في حياتها والتي قدمتها تارا عماد، وتتحول حياة إبراهيم من رجل عادي إلى شخص مشهور الجميع يسعى للتعرف عليه والتصوير معه بل تستضيفه برامج تلفزيونية، وهنا يتغير البطل من شخص يسعى للهرب إلى شخص مستمتع بذلك الاهتمام الذي يتلقاه من الجميع.


وهنا يحدث تصاعد آخر للحدث الدرامي، نحن نتعرف على مغريات الشهرة التي يمكن أن تغير فكر شخص وتؤثر على نمط حياته، وحياة من حوله، وبينما ينتهي التصاعد الأول بتريند يجعل من إبراهيم نجم مشهور، ينتهي التصاعد الثاني بإبراهيم محاصر من الجميع مرة أخرى بسبب عودة أزمة زوجته إلى الواجهة وهذه المرة بشكل مقصود من الشركة التي تعاقد معها ابراهيم لدعمه كمؤثر –إنفلوانسر- على السوشيال ميديا.


بين التصاعد والهبوط والتصاعد ثم العقد والحل، وهو الترتيب التقليدي للحبكة الدرامية لدى أرسطو- نجد أن ذلك يعمل على نفي حدوث الملل للمتفرج وهي أحد الجوانب المهمة التي يركز عليها الكاتب أثناء تضفير أحداث الفيلم، بالإضافة إلى المزيج الذي يضيفه بيتر ميمي على جميع الأفلام التي سبقت بيت الروبي، القصة البسيطة التي تسعى لطرح رسالة معينة ومصاحب لها أغنية أو اثنين لتحقيق النجاح التسويقي للفيلم، من خلال انتشار الأغاني ونجاحها وأغنية الغزالة رايقة" في فيلم من أجل زيكو كانت الأبرز للتعبير عن هذا الفكر، لذلك طرحت أغنية محمود العسيلي "سمع هس" بالمشاركة مع كريم محمود عبدالعزيز وكريم عبدالعزيز قبل موعد عرض الفيلم بأيام قليلة، لتحقيق الهدف التسويقي.


ونجد شيء مشترك في أفلام ميمي الأخيرة من أجل زيكو، وشلبي، وبيت الروبي، وهي وجود رحلة للبطل يسعى من خلالها لتحقيق فكرة معينة، ولكن أثناء الرحلة تتغير أفكاره ويصل إلى النتيجة "الرسالة" التي في الأساس هي رسالة الفيلم.


وتتركز الكوميديا في الفيلم على وجود الثنائي كريم عبدالعزيز وكريم محمود عبدالعزيز بشكل أساسي، وتنبع من مفارقات اهتمام الناس بجنون التريند، حيث لا تقدم كلاً من نور أو تارا عماد أي سياق كوميدي داخل الحدث، سواء ينتمي لكوميديا الموقف أو أخرى، فهما الجانب الأكثر جدية للعمل، والغريب عزلهما بهذا الشكل عن الطرح الكوميدي للفيلم، وتركيز الكوميديا كلها على الشخصيتين الرئيسيتين فقط، بالإضافة إلى الشخصيات الثانوية، مثل حاتم صلاح والذي يلعب دور محامٍ وكان من أكثر الشخصيات الثانوية فاعلية في تقديم مواقف كوميدية فعلية، بالإضافة إلى مصطفى أبو سريع –المنافس- بينما محمد عبدالرحمن ولعب دور ابن عم إبراهيم الروبي كان أقل الشخصيات إضافة إلى كوميديا الفيلم.