تقرير: الصراع السوداني يبدد آمال إنعاش التبادل التجاري مع مصر

تتعمق الأزمة السياسية فى السودان بمرور الأيام، لتفرض تحديات اقتصادية على العلاقات التجارية مع مصر، فى الوقت الذى كان البلدان يبحثان عن تنمية التبادل التجارى، وإقامة مشروعات مشتركة تستغل الإمكانات الاقتصادية التى تذخران بها؛ لتحقيق انتعاشة اقتصادية لشعوبهما، لكن اشتعال الحرب هناك، بددت أى آمال لإنعاش التبادل التجارى مع مصر، وفق عدد من الخبراء والعاملين فى عدد من القطاعات الاقتصادية.

وبينما كانت مصر والسودان تعولان فى المرحلة القادمة على دخول التعاون الاقتصادى مرحلة جديدة، فيما بينهما «بددت الحرب المندلعة هناك حاليًا هذه الآمال»، بحسب شريف الجبلى رئيس مجلس الأعمال المصرى السودانى.

وطوال السنوات الماضية لم يرتقِ حجم العلاقات الاقتصادية بين البلدين لعمق علاقات الجوار، ولكنها بدأت مؤخرا تشهد تحسنا مع استقرار الأوضاع السياسية، وحرص البلدان على الاستفادة من مقوماتهما الاقتصادية غير المستغلة؛ ليقفز حجم التبادل التجارى إلى 1.2 مليار دولار فى 2021 مقارنة بـ711.4 مليون دولار فى 2022.

وتمثلت أهم المجموعات السلعية التى صدرتها مصر إلى السودان، فى اللدائن ومصنوعاتها بقيمة 137.4 مليون دولار، يليها السكر بـ1.6 مليون دولار، ومنتجات مطاحن شعير ونشا حبوب بـ53 مليون دولار فى المركز الثالث وفى المركز الأخير، جاءت الأسمدة بقيمة 41 مليون دولار، وذلك خلال 2021 بحسب بيانات الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء.

وأضاف «الجبلى»، أن مصر كانت لديها طموحات فى أن تصبح المورد الأول للسوق السودانية للعديد من السلع مع استراتيجيتها لرفع حجم التبادل التجارى مع الدول الأفريقية والوصل لحجم صادرات بـ100 مليار دولار سنويًا، خاصة على صعيد سلع مواد البناء والكيماويات والأسمدة والسلع الغذائية المصنعة.

ووفقا لأحدث الإحصائيات الصادرة من وزارة الصناعة، جاءت السوق السودانية كثانى أكثر الأسواق الأفريقية المستقبلة للصادرات المصرية خلال الربع الأول من 2023، بقيمة 226 مليون دولار، من إجمالى حجم صادرات لتلك الدول بـ1.611 مليار دولار.

وتابع «الجبلى»، أن الحرب التى اندلعت مؤخرًا فى السودان، ستؤدى لتراجع حجم صادرات مصر للسوق السودانية، بعدما أصبحنا نستحوذ على حصة كبيرة فيها، كما ستؤدى لعزوف العديد من الشركات التى كانت تطمح للتصدير لها، خوفًا من عدم حصولها على أموالها، والمخاطر العالية التى تتعلق بتأمين وصول البضائع؛ لعدم استقرار الأوضاع الأمنية هناك.

وأضاف أن الحرب القائمة هناك ستدفع إلى تعطل المشاريع الاقتصادية المشتركة التى كان سيقدم عليها البلدان لتعزيز التعاون الاقتصادى، وكانت تعمد عليها مصر بشكل أكبر لخدمة اقتصادها، لا سيما فى الاستفادة من المقومات التى تمتلكها السودان فى القطاع الزراعى والثروة الحيوانية لتحقيق الأمن الغذائى.

وأعلنت مصر والسودان منذ 2021 عن إقامة عدة مشاريع اقتصادية، أهمها الربط الكهربائى والذى جرى تدشين المرحلة الأولى منه بطاقة 80 ميجاوات، ترتفع إلى 300 ميجاوات على المدى القريب، بالإضافة إلى إنشاء خط سكك حديدية بطول 570 كيلو مترا للربط بين البلدين، فيما يجرى إعداد الدراسة الفنية من قبل الصندوق الكويتى للتنمية الاقتصادية، ومشروع الشوكة المصرية السودانية للتكامل الزراعى بالنيل الأزرق، لزراعة ١6٠ ألف فدان بمحاصيل القطن، وزهرة الشمس، والذرة الرفيعة، والسمسم، على أن يقسم الإنتاج بين الدولتين.

ولكن «الجبلى» عول آماله على ألا تستمر تلك الحرب فترة طويلة، مؤكدا أن عودة الاستقرار للسودان تمثل فرصة واعدة للشركات المصرية لتوسيع استثماراتها وزيادة حجم صادراتها باعتبار أن مصر دولة الجوار، ما يساعد الشركات فى تعويض خسائرها سريعا.

من جانبه توقع وليد جمال الدين، رئيس المجلس التصديرى لمواد البناء، أن تكون صادرات القطاع الأكثر تأثرا بالحرب السوادنية، حيث تأتى فى صدارة السلع المصدرة من مصر للأسواق الأفريقية، وتستحوذ السودان على النسبة الأكبر منها.

وأشار إلى أن صناعة الأسمنت ستتأثر بشكل أكبر من تلك الأزمة لاستحواذها على النسبة الأكبر من حجم صادرات مواد البناء للسوق السودانية، ثم السيراميك والمواد العازلة، مشيرا إلى أن صناعات مواد البناء كانت تعتمد على التصدير بشكل كبير لرفع إيراداتها فى ظل الركود بالسوق المحلية بسبب ارتفاع الأسعار.

فى سياق متصل، شكل السودان طوال السنوات الماضية سوقا مهمة بالنسبة لمصر لاستيراد اللحوم لتأمين احتياطياتها من تلك السلعة الاستراتيجية، حيث استحوذت اللحوم والأحشاء والأطراف الصالحة للأكل خلال عام 2019 على 97.7% من إجمالى قيمة واردات مصر من السودان، وفقا لأحدث بيانات متاحة من مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار التابع لمجلس الوزراء.

وقال سيد النووى، عضو مجلس إدارة غرفة القاهرة التجارية، أحد مستوردى اللحوم، إن الحرب السودانية ستؤدى لتراجع حجم الكميات التى تستوردها مصر من اللحوم السودانية، والتى كانت تعتمد عليها بشكل أساسى فى تحقيق التوازن بين العرض والطلب فى الأسواق، والحد من ارتفاعات أسعار اللحوم البلدى بسبب زيادة أسعار الأعلاف.

وتابع أن مصر تستورد العديد من أصناف اللحوم السودانية، من بينها الحية والمبردة والجملى، مشيرًا إلى أن أسعار اللحم الجملى ستكون الأكثر تأثرا بتلك الأزمة عن باقى الأنواع، حيث تعتمد مصر بشكل كبير على استيراد الجمال من السودان، بينما الأنواع الأخرى يمكن إيجاد أسواق بديلة لها مثل تشاد والصومال.

وتوقع «النووى»، ألا يظهر تأثير الحرب على ارتفاع أسعار اللحوم مباشرة، بل سيستغرق بعض الوقت، خاصة أن الطلب على اللحوم بدأ فى التراجع مع انتهاء شهر رمضان.

وكانت الحكومة المصرية استوردت بداية شهر رمضان، ولأول مرة نحو 600 ألف طن لحوم من تشاد لضخها بالأسواق، للسيطرة على أسعار اللحوم التى قفزت أعلى 300 جنيه للكيلو.

وقال أحمد الزينى رئيس جمعية النقل البرى بدمياط، إن الحرب السودانية ستفقد نحو 500 سائق من سائقى الشاحنات وظائفهم، كان يتم استخدام شاحناتهم لنقل البضائع بين مصر والسودان.

وأشار إلى أن وسائل النقل البرى هى التى يتم استخدامها بكثافة لنقل البضائع مثل الأسمنت واللحوم بين مصر والسودان، مقارنة بوسائل النقل الأخرى لانخفاض تكلفتها وسرعتها.

وأضاف الزينى أن سائقى الشاحنات اعتمدوا بشكل كبير على انتعاشة حركة نقل البضائع بين مصر والسودان فى الآونة الأخيرة؛ لتعويض الزيادة فى تكاليف أسعار الصيانة وقطع الغيار.