رياح الركود العالمي تصيب أسعار القطن وتصدم الفلاحين


أصابت المخاوف من حدوث ركود فى نشاط الاقتصادى العالمى، وتراجع الطلب على الملابس، مزارعى القطن المصرى بصدمة هذا العام، إذ هوت الأسعار فى المزادات إلى مستويات متدنية، بعدما توسعوا فى زراعته.

ولفت عدد من العاملين فى القطاع، إلى مخاوف من عدم قدرة التجار على شراء كامل كميات القطن من المزارعين، وهو ما سيكون له تبعات على عزوف الفلاحين عن زراعته العام المقبل، وتراجع إنتاجية البلاد منه، و«قد تفقد مصر معها آمالها فى استعادة عرشها الذهبى للقطن طويل التيلة».

وتوسع الفلاحون فى زراعة القطن هذا العام على آمال بيعه عند أسعار العام الماضى، التى حقق فيها القنطار مستويات ربح عالية، ووصل إلى سعر قياسى تجاوز 6 آلاف جنيه وقتها فى بعض المزادات، بالإضافة إلى تشجيع الحكومة على زراعته بعد استحداثها منظومة جديدة لتسويقه تضمن للفلاح سعرا عادلا، وإنشائها أكبر مجمع فى الشرق الأوسط للغزل والنسيج، يستوعب كميات كبيرة من الإنتاج؛ ليصل إجمالى حجم المساحات المزروعة إلى 337 ألف فدان من 236 ألف فدان العام الماضى، بحسب أحدث أرقام صادرة من وزارة الزراعة.

وقال مفرح البلتاجى، رئيس شركة العامرية للغزل والنسيج: إن ارتفاع أسعار الطاقة والحرب الروسية الأوكرانية، والتوقعات بحدوث ركود عالمى، كلها عوامل زادت من توقعات انخفاض الطلب العالمى على الملابس، ما دفع مصانع الغزل والنسيج لتخفيض طاقتها الإنتاجية وتقليل حجم مشترياتها من الأقطان لإنتاج الغزول والخيوط، وهو ما أدى إلى تهاوى سعر القطن فى البورصات العالمية، وبالتالى انعكس على انخفاض أسعاره محليا بنحو 50% على أساس سنوى، حيث تحدد أسعار المزادات بناء على السعر العالمى.

ويتداول عقد سعر القطن البيما الأمريكى 2، الذى يعد السعر الاسترشادى لفتح مزادات بيع القطن المصرى فى السوق المحلية، عند مستويات 83 دولارا لـ50 ألف رطل، بينما كان يتداول فى هذا الوقت من العام الماضى، عند مستويات 110 دولارات.

وتابع «البلتاجى»، أن أسعار قنطار القطن هذا العام سجلت مستويات متدنية فى المزادات بقيمة تتراوح بين 3200 و3700 جنيه للقنطار الزهر وجه قبلى، بينما تراوح القنطار الزهر وجه بحرى الأعلى جودة بين 4200 و4300 جنيه؛ انخفاضا من مستويات 6 آلاف جنيه العام الماضى، مشيرا إلى أن تلك الأسعار لا تصل لثمن زراعته بالنسبة للفلاحين، قائلا «جنى قنطار القطن يكلف الفلاح 2000 جنيه وحده، هذا بدون تكاليف زراعته والأسمدة ليجد الفلاح نفسه يبيعه فى النهاية بالخسارة»، مشيرا إلى أن التجار يحاولون استغلال الموقف وبخس أسعاره من الفلاحين لتحقيق أكبر هامش ربح إذا تم تصديره مع توقعات ارتفاع الدولار.

وطالب بأن يكون هناك سياسة واضحة متكاملة لزراعة القطن، بعيدا عن نظام المزادات الذى تم استحداثه؛ لأنه عرضة مباشرة لتقلبات الأسعار بين العام والآخر نتيجة ارتباطه بالسعر العالمى، ومن ذلك إنشاء صندوق حكومى يخصص موارده لشراء القطن من الفلاحين بسعر عادل ويعلن عن سعر شرائه قبل بداية زراعته؛ يضمن لهم على الأقل أن يسترد تكلفة زراعته حتى لو تعرض السعر العالمى لتذبذبات.

وأضاف «البلتاجى»، أنه إذا استمرت المزادات دون تدخل حكومى؛ لتوسيع حجم مشترياتها من القطن سنرى سعر القنطار يصل إلى مستويات أدنى من الأسعار السابقة، ويدفع الفلاحون لعدم زراعته العام المقبل، وتفضيل زراعة محاصيل الأعلاف والتى تحقق هامش ربح أعلى لهم، أو يمكن الاستفادة منها إذا قاموا بتخزينها، متوقعا ألا تستطيع الحكومة من خلال شركة تجارة وحليج القطن أو شركات القطاع الخاص، مهما بلغت قدرتهم أن يشتروا كامل الإنتاج المحلى هذا العام الذى يقدر بأكثر من مليونى قنطار، إذ تحتاج سيولة تقدر بنحو 8 مليارات جنيه وهى ليست متوفرة مع الشركات فى هذا التوقيت بسبب عدم قدرتها على بيعه أو تصديره إذا قاموا بشرائه، مطالبا بضرورة تقليص المساحات المزروعة من القطن العام القادم لارتفاع المخزونات لدى الشركات حتى لا يصاب السوق العام القادم، بتخمة المعروض تسبب انهيار الأسعار.

وبلغ إجمالى كميات القطن التى شراؤها عبر مزاد القطن العام الماضى من الفلاحين نحو 1.18 مليون قنطار من إجمالى 1.250 مليون قنطار، تم إنتاجها بنسبة تسويقية تمثل 95% من حجم المحصول، وذلك بحسب بيانات سابقة للهيئة العامة للتحكيم واختبارات القطن.

وقال أحمد عياد، رئيس الشعبة العامة للأقطان بالاتحاد العام للغرف التجارية، إن أسعار مزادات القطن سجلت مستويات متدنية محليا، انعكاسا لتراجع الأسعار العالمية، مشيرا إلى أن سعر القنطار لم يتجاوز 4200 جنيه حتى الآن.

وأضاف «عياد»، أن انخفاض الأسعار له تداعيات سلبية على انخفاض المساحات المزروعة من القطن العام القادم، خاصة أن تلك الأسعار لن تشجع الفلاحين على زراعته مرة أخرى، مشيرا إلى أن الشعبة حذرت وزارة الزراعة من التوسع فى مساحات القطن المنزرعة عن 250 ألف فدان، لعدم قدرة السوق المحلية على استيعابها أو شرائها أو تخزينها أو تصديرها إذ تبلغ أقصى القدرات التصديرية 800 ألف قنطار فقط.

وقالت مارى لويس، رئيسة المجلس التصديرى للملابس الجاهزة: إن مصانع الملابس والمنسوجات بدأت تخفض طاقتها الإنتاجية عالميا بسبب ارتفاع أسعار الطاقة عليها، والمخاوف من دخول الاقتصاد العالمى فى ركود، وهو ما انعكس على تراجع مشترياتها من الخيوط والمنسوجات وبالتالى انخفاض أسعار الأقطان التى يتم تحديدها بناء على العرض والطلب.

وأشارت «لويس»، إلى أن العديد من الموردين طالبوا بتقليص الكميات المتعاقد على تصنيعها مع المصنعين خوفا من عدم القدرة على بيعها مع استمرار ارتفاع التضخم، قائلة «هناك مصانع تم إبلاغها بتقليص الكميات المتعاقد على توريدها إلى النصف حتى يرتفع الطلب على الملابس».