"رئيس الوزراء: تفعيل غرف العمليات بجميع المحافظات لمواجهة أي طوارئ خلال فترة العيد "
وكأن الرسم ينطق من دقته.. حرفة القويمة.. إبداع بـ أزميل وقطعة خشب لكنها تقترب من الاندثار

ينحني القويمجي محمد علي، صاحب العقد الخامس من العمر، على قطعة خشب وكأنه يخاطبها قبل أن يشرع في رسمها وحفرها بأزميله البسيط؛ ليخرج رسومات بين أزهار تنتظر من يقطفها، وأربطة تجعل الناظر إليها يبتغي أن يحلها، وتلك هي رسمات "القويمة"، الحرفة التي لم يتبق لها سوى قليل من الحرفيين مثل "علي"، بعد أن سُحِبت الماكينات ذات الرسوم ثلاثية الأبعاد المستخدمة في نجارة الأثاث الحديث البساط، من تحت تلك الحرفة العريقة برسوماتها التي صنعتها أعين وأنامل تهوى مخاطبة الخشب.
يقول محمد علي، صاحب إحدى ورش "القويمة" القليلة، إن فن الحفر على الأشياء متجذر في ثقافة المصريين منذ استخدام الفراعنة للرسم على الحجر، ليرافق المصريين في رحلتهم عبر التاريخ عبر ما أبدع فيه الفاطميون من الحفر برسومات على رخام أحواض السبيل، "بدقة تعجز الماكينات الحديثة عن تقليدها".
وعن طبيعة "القويمة"، أوضح أنها الفن المختص بحفر الرسومات على خشب أثاث المنازل، لتنقسم إلى قويمة عربية التي تستخدم الفن الإسلامي من الأزهار والرسومات النباتية، بينما يوجد ذوق وقسم آخر انتشر سابقا في مصر من القويمة الفرنسية، التي تستخدم رسوما أكثر صراحة وتعقيدا.
وعن مراحل "القويمة"، أشار إلى أن الصانع يمضي وقتا لانتقاء اللوحة الفنية المناسبة لقطعة الأثاث في خياله، ليبدأ في رسمها ويعيد التعديل عليها، وفقا لما ترتاح له عينيه ويديه أيضا.
وتابع أن الأدوات المستخدمة لإخراج الرسومات "بسيطة"، من الأزاميل والجوشة والضفر والبريمو، وجميعها من الحديد الصلب، موضحا أن أدواته التي بدأ بها صنعته لا تزال معه يستخدمها بعد عشرات السنين دون أن تثني.
وعن التغير في أذواق الزبائن، أضاف أن الناس أصبحوا يميلون لمظاهر الحداثة والتفاخر بشراء الأثاث الحديث، الذي -بحسب قوله- يشبه الصناديق لقلة رسوماته، بعكس قطع الأثاث القديمة المستخدم بها "القويمة" التي تنبض بالرسومات، وتبدو فيها مهارة صانعها ما لا تستطيع الماكينات تقليده، عدا عن نسخها لنفس التصميم دون تغييرات.
وقال إن "القويمة" بمثابة بصمة لكل صانع، إذ بمطالعة أي من الأعمال الدرامية القديمة يسهل تمييز القويمجي الذي قام بالحفر على الديكور المستخدم.
وعما تتميز به "القويمة"، أوضح أنها "فن الاهتمام بالتفاصيل"، إذ يروي أنه ذات مرة قام بصناعة بيت مصغر كلعبة لابنة السفير الأمريكي، وكان اختياره لإعداد ذلك العمل الفني الصغير لما يتمتع به القويمجي من قدرة على التركيز على أدق التفاصيل في إعداد قطع لأثاث بيت صغير يبدو وكأنه حقيقي؛ لكثرة ما فيه من تفاصيل.
وعن العادات التي يتسم بها حرفيو القويمة عن غيرهم، قال إنه في كل فترة يجتمع صفوة صناع القويمة لإعداد ما يسمونها بـ"حَجرة صلاح الدين"، وهي حجرة محفور على كل قطعة منها لوحات مرسومة لكل من معارك صلاح الدين الأيوبي، و"تشرفت بمشاركتي في إعداد تلك الحجرة التي لا يشارك فيها سوى أمهر حرفيي القويمة دون غيرهم".
وعن العادات الأخرى لصناع القويمة، لفت إلى أنها عادة بناء مسجد بفن القويمة مع حلول كل شهر رمضان، التي لم يفتر عنها أبدا، مضيفا أنه ذات مرة حين نقل محل سكنه، طالبه جيرانه السابقين بعمل المسجد المصغر لهم حتى بعد انتقاله.
وعن تراجع الحرفة، قال إن كثير من الصانعين عانوا من قلة الزبائن؛ ما جعلهم يهجرون الصنعة، على غرار حال كثير من الحرف اليدوية التي بدأ أصحابها يتسربون لمهن أخرى؛ لتوفير قوت يومهم.
وعن استمراره في حرفته، أضاف أنه لم يكن ليستمر إلا بتطوير عمله في النجارة، ليشمل أشياء غير القويمة، والاستعانة بمواقع التواصل الاجتماعي للترويج لحرفته.
وعن حب الناس لحرفته وبراعته في الصناعة، ذكر واقعة شهيرة حدثت معه، حيث أن تلقى عرضا من طالبات بفنون جميلة؛ لتصميم بعض القطع المستخدمة في مشروع دراسي، ليتضح له بعد الحديث معهن أنهن توصلن له عن طريق أستاذة لهن كانت قد صممت مشروعها لديه منذ سنين بعيدة.
وعما يراه حلا لإحياء حرفة القويمة، أشار إلى أهمية تواجد المدارس الصناعية التي خرّجت من قبل حرفيين عدة، مضيفا أنه من الضروري الاستعانة بالقويمجية القدامى لتعليم الجيل الجديد، متابعا أنه من الضروري إنشاء نقابة تهتم بحوائج القويمجية، وتقوم بدعمهم مع النجارين والمذهباتية؛ لارتباط تلك الحرف ببعضها، ولما توفره النقابة من دعم للحرفيين يساعدهم على الاستمرار.